وحدة أبحاث الشعريات
وحدة أبحاث الشعريات
إذا التفتت الأمم إلى جذورها الحضارية، وأسس ثقافاتها، ومعارفها... فإن الأمة العربية تتذكر- دوماً – خطابها الشعري العريق، وما يجسده هذا الخطاب من تأصيل وتوثيق لأخبارها وأيامها وعلومها ومعارفها وأحاسيسها ومشاعرها وجمالياتها ، حتى غدت الشعرية العربية هي المنجز الجمالي الذي يكون سمة وعلامة مميزة لأدب العرب وفنها الأول الذي اشتهرت به بين آداب الأمم.
واليوم باتت الشعريات – التي أسس لها أرسطو في كتابه " فن الشعر” تثير جدلًا واسعًا في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة, بسبب تعددية معانيها, وتنوع تعريفاتها, و اكتنافها كثيرًا من الغموض أو الالتباس.. لكنها تسعى إلى الكشف عن مكونات النص أو الخطاب الشعرية والجمالية ، وكيفية تحقيق وظيفتيه الاتصالية والفنية, أي إنها تعنى بقوانين الإبداع الفني. ومن ثم فقد أصبح هدفها الرئيس هو دراسة الأدبية أو اكتشاف الأنساق الكامنة التي توجه القارئ إلى العملية التي يتفهم بها أدبيات النصوص.
وتمثل الشعرية فضاءات جمالية وإبداعية، تعبّر عن واقعنا وأحلامنا ومستقبلنا، ومن ثمّ فهي النافذة المشرَّعة التي نطل منها على وقائع الشعوب وجمالياتها، بل إنها تشكل كيانًا ثقافيًا للإنسان عمومًا، وتؤكد حضوره الدائم.
وفي هذا السياق، فقد استقرّ رأي كثير من الباحثين على أن جميع فنون القول في طفولة شعوب العالم، كانت ضربًا أو نوعًا من الشعر.
إن حركة الشعر تنبض بالحياة والجدّة، وتؤكد دومًا أهمية هذا الجنس الأدبي ودوره الاجتماعي والثقافي، وكذلك تؤكد الدراسات النقدية التي ملأت المكتبات العربية المختلفة مدى فعالية النص الأدبي الشعري، وقدرته على إيجاد مكونات نقدية تثري المجال التعليمي عمومًا في مجال الشعر ذاته، وفي مجال الشعريات التي تشمل الخطابات الإبداعية كافة.
ولم يقتصر الشعر على النص الشعري فحسب، وإنما تجاوز ذلك إلى النثر الشاعري الذي يتشكل كثيراً في أساليب الشعر، ويأخذ من الشعر صوره الفنية، وتكثيفه، وإيقاعه.
من هنا جاءت فكرة إنشاء "وحدة أبحاث الشعريات"، التي تُعنى بتقديم رؤية ثقافية أكاديمية متخصصة في الشعر والشعرية معًا ، وهي رؤية ثقافية تنطلق نحو التوثيق والمنهجية، ورصد المتغيرات النصيّة وحركات التجديد الحديثة.. ما يساعد على تقديم حصيلة معرفية جمالية تكتسب صفة العلمية، ويكون لها دورها الحافز في مجال الدراسات الإنسانية الحديثة.
كذلك، لم تقتصر الشعريات أو النظريات الشعرية على نظريات الشعر أو الأدب في مجمله فحسب، وإنما اشتملت على جماليات فنون أخرى غير أدبية وشعرياتها كالفن التشكيلي، والسينمائي، والمسرح، والنحت والفنون الإيقاعية الصوتية والحركية ، ثم اتسع مجالها ليصل إلى خارج ما هو من بابي الأدب والفن، ليشمل شعرية المكان، وشعرية الزمان ، وشعرية الثقافة، وشعرية الإنسان وغير ذلك مكونات الثقافة الإنسانية .
لذلك يأمل قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، من خلال هذه الوحدة البحثية الثقافية الأكاديمية ، أن يخدم البحث العلمي، فيطور الدراسات العليا في سياق الأبحاث الشعرية الحديثة، وأن يجسد تداخلاً بحثياً وثقافيًا مع الإبداع الشعري ونقده في المجتمعين المحلي والعربي، وأن يفتح نوافذ بحثية مع جهات عالمية تعنى بالشعرية ونظرياتها، وأن تُحقق هذه الثقافة التواصلية في ظل الانفتاح الرقمي (الإلكتروني) كثيراً من المعاني الإنسانية في سياق الانسجام أو التضاد بين ماديات الحياة وروحانياتها.